ماتزعلوش مني
ماكانش قصدي إني اموت
.. أو انتحر..!!
كان غصب عني..
كان نفسي أعيش..
لكن يفيد أيه التمني..!!
* * *
لولا الكتب ودولابي الحديد..
أنا كنت مُتْ، زي ما ماتوا الجميع
لحظة وقوع الصخرة فوق كل العبيد
اللي ماتوا من جديد
يوم انهيار جبل المقطم ع البيوت
لولا الدولاب.. وشوية الكتب
ولولا إن الرصيد خلص
ماكنتش كتَبْتْ لكمُ (ماسيج)
تليفوني ده..
أنا اشتريته من سنة
علشان أكلم بنت حلوه باحبها..
من كام سنة
والنهارده كنا متواعدين، نخرج سوا
ولما زادت الضلمة، والموت انتشر..
وحسيت كأن مفيش هوا..
سمعت صوت تليفوني..
بيرن وينور.. ويطفي..
ولا كنت عارف هو فين
وآخر شيء كنت في يوم أتخيله..
وأنا تحت التراب..
إن ممكن أقول للكون دا كله:
أنا هنا،
والصخر والموت والخراب
معايا في نفس المكان
طلبتها، واعتذرت..
قلت لها: مش حاقدر أشوفك النهارده
فيه ميعاد تاني أهم..
ميعاد مع المجهول والقدر..
ميعاد مع العتمة والموت الأكيد...
وبعدها.. الرصيد خلص
وانتظرت - إن هي اللي تتكلم - كتير..
لكن الإرسال قطع
علشان كده قلت أبعت لكم (ماسيج)..
واعذروني إنها طالت حبتين
ما أنا كنت فين؟!
أنا كنت متحاصر ما بين الصخرتين
صخرة الموت اللي بيزحف علي بانتظام
وصخرة الألم اللي كابس ع العظام
والوقت كان أتقل من الجبل اللي واقع ع الدماغ
والموت مشاع
فقلت أسلِّي نفسي بالكتابة..
علي شاشة الموبايل..
حد طايل..
أهو منها تعمل نور..
وعليها أقول:
كل اللي كان نفسي أقوله من سنين
ولولا الكتب
أنا كنت مت في ثانيتين
* * *
أنا أصلي غاوي من زمان اقرأ الكتب
أنا كنت حابب العلام
وكنت شاطر..
وباطلع الأول علي كل العيال في المدرسة
وفي يوم ...
وأنا عندي اتناشر سنة
خدني أبويا الصبح من غير سبب
وبدل ما اروح ع المدرسة
وداني عند الأسطي سعد المكوجي
وسابني، وراح شغله سعيد
وأنا استلمت بعدها شغلي الجديد
وقال لسعد وهو ماشي:
علمه الصنعة، واديله جنيه وعشرة صاغ
أبويا ياخد الجنيه
وأنا أعيش حياتي بالدراع..
بالعشرة صاغ..
آكل وأشرب، واجيب حاجات..
أيام ما كانت العشرة صاغ، بتجيب حاجات
وساعات أحوِّشْ منها كام شلن
واجيب كتاب
ولما زادت الكتب..
عملت أنا دولاب حديد
تحت السرير..
ورصيت فيه الكتب..
وفرشت تحت سرير أمي وأبويا مرتبة
وعملت خُن لذيذ قوي.. ونمت فيه
* * *
ما احنا جميعًا كلنا..
بنام هنا..
في أوضه حر ضيقة
ولمبة واحدة بسلك نور،
زي حبل المشنقة
وأمي وأبويا في الوسط، نايمين ع السرير
البنات علي الجنب الشمال..
والولاد علي الجنب اليمين
وأنا بنام بين البنين،
تحت السرير
* * *
إحنا تسعة اخوات..
خمس بنات..
واحنا الولاد، كنا أربعة:
تلاتة كانوا - لسه بليه - عند صاحب مطبعة
وأنا الكبير..
وأبويا وأمي ع السرير
والبنات، كويسين..
وشغالين في مصنعين:
مصنع ملابس..
وورشة كبيرة للخزف
وأبويا كان كهربائي، في مصنع نجف
وأمي بتخدم في البيوت
* * *
أنا كنت نايم...
وأمي وأبويا واخواتي كمان
كلنا كنا في سابع نومة..
رمضان بقي.. والنوم لذيذ
وفجأة...
سمعنا صوت الانفجار..
ووقعت علينا م الجبل.. كل الجبال
وانطلق الصويت، والصريخ، والعويل
مع هوجة جامدة م الغبار
والعتمة غول اسود غطيس
ملحقتش أصرخ، أو أقوم من مطرحي..
أمي يادوب صَرَخِتْ لها صرختين..
وأبويا من الفزع صحي..
ولسه حايسأل عننا..
كان الجبل أسرع من الموت..
اللي أكلنا كلنا..
إلاَّ أنا..
فضلت متحاصر كده
ما بين دولاب الكتب، وعمود السرير
مترين في متر
أنا الوحيد اللي بنيت قبري بأيديا..
وعشت ومت فيه
حاولت أخرج من هنا، أو من هناك
كانت صخور الموت..
بتسد كل فتحات الحياة
* * *
وبعد ما خلصت عواصف الغبار
والعتمة، بقي ليها صوت،
وطول وعرض..
ولا فيش سما فوق مني،
ولا تحتي أرض
ولقيتني متحاصر هنا..
ما بين اللي باقي فيا م الحياة..
وبين الموت اللي فارد إيديه علي وسعها
وبيحضن اخواتي اللي نايمين ع الشمال..
واللي نايمين ع اليمين
وأبويا وأمي، ميتين فوق السرير
* * *
كانت صوابع ناهد أختي لسه صاحية..
كانت بترعش بالحياة..
ضامه صوابعها..
وماسكه في الدنيا بإيديها النحيفة
واعتماد، رجليها سخنة وفيها نبض..
ودماغ سميحة..
تحت أطنان الحجارة
والدم أرض
والباقي من اخواتي، راحوا.. من سُكات
زي البنات..
تحت أنقاض الصخور، وسقف بيتنا..
اللي وقع فوق مننا.. ولا حد غاتنا
ياااااه...
لحظة ألم أشدّ من الموت بذاته..
اللي أنا كنت قاعد في الحصار باستنظره
يا قسوة الموت، ويا فظاعة منظره
اللّه لا يورِّيها لحبيب، ولا عدو..
ما فضلش حي مننا.. غيري أنا..
علشان يعذبني الأنين..
واسمع بودني..
لحظة خروج الروح من روح البنات
***
ما أعرفش ليه..
أنا عشت بعد ما ماتوا، كل الوقت ده؟!
ما أنا أهه باموت
ما كنت ترحمني يا ربي،
وتاخدني في نفس الميعاد
لكنها حكمتك، يا رب العباد
يمكن عشان أكتبلكم علي شاشة التليفون كلام
يمكن يكون آخر كلام، أنا بكتبه
لأن العتمه زادت عن زمان..
والأكسجين خلص..
وتليفوني حا يفصل شحن..
وأخر شرطه فيه بتحِتِضِرْ..
والموت حِضِرْ..
قبل ما يشيلوا التراب والحجر
والصخر اللي راقد فوق سرير أمي وأبويا
واخواتي اللي ماتوا ع الشمال..
وع اليمين..
وأبويا وأمي الميتين
وأنا بين البينين تحت السرير
باستني مين؟!
مفيش سواه،
الموت، ...
ورحمة ربنا...